في العام 2013 وأثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لكل من كازخستان والهند أعلن عن رؤيته لإعادة إحياء طريق الحرير القديم والذي كان الممر الرئيسي للتجارة بين أسيا وأوروبا.وسرعان ما تم بلورة رؤية الزعيم الصيني لمبادرة عالمية عملاقة تحت اسم (طريق واحد حزام واحد) ثم تم إعادة تسميتها ليطلق عليها (مبادرة الحزام والطريق) لتلافي الأثر السلبي الاسم السابق والذي كان يعكس بوضوح أن التوجه الصيني هو في إطار إستراتيجية استباقية أحادية الجانب لإعادة تشكيل النظام العالمي وتوازناتها بما يعظم من دور الصين فيه لتتحول الصين إلي لاعب محوري رئيسي في النظام العالمي الجديد ومن ثم تم تغيير الاسم لاحقا للإيحاء بعالمية الإستراتيجية وتشاركها مع الأطراف الدولية المختلفة.
تتكون المبادرة من مسارين رئيسيين الأول وهو الحزام وهو عبارة عن ربط بري بين الصين وأوروبا ويتخلله عدة ممرات فرعية والأخر وهو الطريق وهو طريق بحري يربط الصين ب أوروبا و أفريقيا وتقدر تكلفة الاستثمارات اللازمة لذلك الربط عن طريق مشروعات بنية تحتية عابرة للدول الواقعة في المبادرة تريليون دولار، حيث تشمل المبادرة حوالي 69 دولة في كل من أسيا أوروبا وأفريقيا وتبلغ ضخامة تلك المبادرة أنها تغطي قرابة 43% من مساحة كوكب الأرض وتغطي أكثر من نصف سكان الكوكب.
لكن ما أطلقه الرئيس الصيني لم تكن مبادرة بالمفهوم العلمي لها بل إستراتيجية لها أصول تعود للعام 2012 حيث أعلن الرئيس الصيني وقتها “هو جينتاو” في المؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي الصيني عن تطلع الصين لتكون قوة بحرية كبرى وهو ما تم ترجمته لاحقاً في أوراق سياسات صادرة من البحرية الصينية عن تحول في دورها لتستطيع أن تكون قوة دفاع وحماية المصالح الصينية في المياه المفتوحة وتستطيع القيام بمهام تعكس قوتها في أعالي البحار والمحيطات.
حيث أن الصين تعتمد على الطرق البحرية لتمرير 90% من حجم تجارتها و 60% من قيمتها وعليه كان لابد للصين من إستراتيجية لتعزيز تواجدها البحري وتوسيع نطاق تجارتها ،بالإضافة لاعتماد الصين على استيراد الطاقة من الخارج والتي ترى الحكومة الصينية أن الاعتماد على مصادر طاقة خارجية هو موضع ضعف فإن المبادرة ستساهم في تأمين احتياجات الصين المتزايدة من الطاقة خلال العقود القادمة، وذلك من خلال إستراتيجية (الذهاب للخارج) والتي تعني ضخ الصين لاستثمارات خارجية في قطاعات الطاقة .
جدير بالذكر أن حوالي 40% من الاستثمارات الخارجية الصينية خلال العقد الماضي كانت موجهة لقطاع الطاقة.لتحقيق التواجد العسكري البحري يلزم الصين العديد من الموانئ على طول الخطوط الملاحية الرئيسية. وهو ما ذكره الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية زانج جي في مقال صدر 2015 عن مفهوم (مدنية أولاً عسكرية لاحقاً) والتي تعني إمكانية تحويل الموانئ المدنية تستقبل القطع العسكرية وتهيئتها لذلك الغرض ببطء للتحول لنقاط دعم استراتيجي للبحرية الصينية للقيام بمهامها.إن مبادرة الحزام والطريق تنقسم لجزئين رئيسين الطريق الملاحي ومساراته المتعددة والحزام الذي هو الطريق البري بمحاوره ومساراته المختلفة.بالنظر على المسارات الملاحية نجد أن الصين وتماشياً مع توجهها في أن تكون قوة عسكرية بحرية مؤثرة ومبدأ (مدنية أولاً عسكرية لاحقاً) قامت الصين عبر شركات ومؤسسات تمويل حكومية بسلسلة طويلة من الاستحواذ والاستثمار في الموانئ البحرية من المحيط الهندي حتى بحر الشمال بلغت 42 ميناء في 34 دولة ونذكر هنا الموانئ التي استحوذت عليها الصين أو التي بها حصة حاكمة على طول الطريق
- ميناء كايوكبيو في ميانمار
- ميناء هامبانتوتا في سريلانكا
- . ميناء جوادار في باكستان
- ميناء فيدهو فينولهو في المالديف
- ميناء موارا في برونواي
- ميناء بوابة ملاكا في ماليزيا
- ميناء كوانتان في ماليزيا
- . ميناء داروين استراليا
- ميناء اوبوكوك في جيبوتي
- . ميناء بيريوس في اليونان
- . ميناء فالنسيا في أسبانيا
- .ميناء امبارلي في تركيا
بالإضافة لعقود تطوير وإدارة موانئ في اسرائيل حيث ستنتهي الصين من بناء ميناء اشدود الجنوبي في سنة 2021 وهو نفس العام الذي تبدأ فيه إدارة ميناء حيفا لمدة 25 عام بالإضافة للمباحثات الجارية مع الجانب الإيطالي فيما يتعلق بميناء باليرمو. وفي المجمل فإنه طبقا لتصريحات وزارة النقل الصينية فإن الصين قامت بإنشاء وإدارة 52 ميناء في 34 دولة حول العالم.وقد شرعت الصين في المرحلة الثانية من الإستراتيجية فبعد تدشين قاعدتها العسكرية الأولى خارج البلاد سنة 2017 في جيبوتي والتي تمتلك الصين نصيب الأسد من حصة الديون الخارجية فيها وتمتلك وتدير موانئ بحرية بها قامت الصين في العام التالي 2018 تعميق وتطوير الرصيف الملاحي للقاعدة لاستيعاب سفن عسكرية كبيرة.هكذا نرى أن ما يتم تسويقه من القنوات الصينية الرسمية على أنه مبادرة الحزام والطريق و القائمة على السلام والتعاون و المنفعة المتبادلة و الكسب المشترك هي في حقيقة الأمر إستراتيجية صينية للهيمنة على مسارات التجارة الدولية و تأسيس سيطرة عسكرية صينية عليها.
