مع حالة الترقب التي سادت العالم والتصريحات الدولية المتحفظة تعقيبًا على سقوط أفغانستان في قبضة حركة طالبان، كانت الصين الدولة الأولى في العالم التي رحبت باستيلاء طالبان على البلاد، وقالت إن الصين على استعداد لتعزيز العلاقات الودية، والتعاونية مع طالبان ذلك بعد يوم واحد فقط من استيلاء طالبان على كابول.بينما كان آلاف الأفغان يحاولون الهرب من جحيم الإسلاميين ليس هذا وحسب، فمنذ أيام قليلة اثنت المتحدثة باسم الخارجية الصينية على طالبان واصفة إياهم بأنهم أكثر عقلانية ووضوح عما كانوا عليه قبل 20 عاما.وتجدر الإشارة إلى أنه أثناء خوض طالبان معارك للاستيلاء على أفغانستان وقبل حوالي الأسبوعين من استيلائهم على العاصمة استقبل وزير الخارجية الصيني وانج يي وفداً رفيع المستوى من طالبان في بكين. وقد أبدى طالبان ترحيبًا بالتعاون مع الصين وفتح البلاد للاستثمارات الصينية.إن الموقف الصيني الرسمي المرحب بطالبان، والمهرول لعقد صداقة معها هو نقيض موقفها السابق عند صعود طالبان لحكم أفغانستان بنهاية التسعينيات من القرن الماضي، ويمكن تفسير هذا التحول في الموقف بتحول السياسات الخارجية الصينية نحو التوسع الإقليمي والدولي والأهم من هذا هو سعي الصين للسيطرة الاقتصادية على أكبر قدر من الدول وابقائها تحت رحمة الصين، بجانب الأطماع الصينية المعتادة في الثروات الطبيعية للدول المختلفة، وهو نفس التوجه الذي قامت به في العديد من الدول الأفريقية الفقيرة في اطار سياسات فخ الديون. خاصة أن أفغانستان غنية بالمعادن النادرة مثل الليثيوم والنحاس، وتقدر احتياطيات المعادن النادرة في أفغانستان من تريليون ل3 تريليون دولار، وهو ما يعد كنزا ثمينا للصين التي تسعى لإحكام احتكار عالمي على تلك المعادن، بالإضافة إلي أن من مصلحة الصين ضمان قدر من الاستقرار على الحدود الباكستانية الأفغانية وذلك لتأمين الاستثمارات الصينية الكبيرة في باكستان.بالرغم من خطاب الصين الرسمي الذي تبثه أبواق البروباجندا الصينية عن فشل التدخل الأمريكي في أفغانستان لكن الصين كانت أحد المستفيدين من التواجد الأمريكي في أفغانستان إذ قامت باستغلال مناجم النحاس الأفغانية مستفيدة بالقدر المتاح من شبه الاستقرار الذي أوجده التدخل الأمريكي . وعلى جانب طالبان فقد صرحت طالبان باعتبار الصين حليفة ورحبت على لسان متحدثها سهيل شاهين بالاستثمار الصيني في استغلال الثروات الطبيعية والقيام بمشروعات البنية التحتية للبلاد.إن هذا التعاون بين الصين وجماعة طالبان هو تهديد حقيقي للأمن والسلم العالمي، فالصين وطالبان نموذجان لأنظمة سلطوية لا تعترف بقيم الحرية والتعددية ولا تأبه لحقوق المواطنين ولا تعرف سوى لغة القوة والاستبداد، فلنا أن نتخيل حال الشعب الأفغاني تحت حكم جماعة بربرية إسلامية مدعومة من نظام قمعي يقوم بانتهاك ممنهج لحقوق مواطنيه يمدها بتكنولوجيا ووسائل القمع، ولنا أن نتخيل التهديد العالمي من هذه الجماعة التي لا تؤمن سوى بالغزو والقتل والتوسع واسترقاق الآخر إذا ما توفرت لها الموارد المالية الضخمة.
