في منتصف ليل يوم الثلاثاء ٣٠ يونيو ٢٠٢٠ عشية الذكري السنوية لتسليم الإقليم من الحكم الاستعماري البريطاني إلي الصين، أذاع التليفزيون في هونج_كونج خبر عاجل أن بكين أصدرت قانون الأمن القومي في هونج كونج والذي يدخل حيز التنفيذ فوراً. هذا القانون الذي ظل بمواده ال ٦٦ سرياً حتي موعد دخول القانون رسميًا حيز التنفيذ. والذي يوسع سلطات بكين بشكل كبير لتجاوز الإجراءات القانونية القائمة وتقويض الحريات المدنية والسياسية في المدينة والتحقيق مع المجرمين المشتبه بهم ومقاضاتهم ومعاقبتهم في هونج كونج وفي الصين.كانت هونج كونج تعج بالمظاهرات المليونية والاحتجاجات ضد الحكومة ومطالبات بالديمقراطية وحقوق الإنسان وهو ما أغضب القيادة الصينية التي أعتبرت تلك المطالبات تحديًا لسيادتها الوطنية، وكانت النتيجة أن البرلمان الصيني أعلن عن عزمه إصدار هذا القانون متجاوزاً البرلمان المنتخب في هونج كونج، وبالفعل تمت صياغة مشروع القانون بالكامل خلف الأبواب في إجتماعات مغلقة في بكين دون مشاركة أي طرف من هونج كونج حتي ”كاري لام“ زعيمة هونج كونج التي لم تشارك في تلك الاجتماعات. وبموجب القانون الجديد، عززت الحكومة المركزية الصينية وجودها في هونج كونج لتطبيق القانون تحت مسمي “مكتب حماية الأمن القومي“. كما سيتم إنشاء لجنة سرية للأمن القومي تتألف من مسؤولين في حكومة هونج كونج ومستشار تعينه الحكومة المركزية الصينية. وطبقًا لما نشرته حكومة هونج كونج، فإن عمل هذه اللجنة “لن يتم الكشف عنه للجمهور”، وقرارات اللجنة “لن تخضع للمراجعة القضائية”.وفي الجانب الأخر كان هناك تخوفات كبيرة من تطبيق القانون بالأثر الرجعي خاصة أن العقوبات الواردة بالقانون تصل لعقوبة السجن مدي الحياة. وخاصة أن الهدف الرئيسي من القانون هو تعزيز سيطرة بكين المباشرة على المدينة شبه المستقلة. وإمكانية أستخدامه لاستهداف المعارضين السياسيين والنشطاء ومحامي حقوق الإنسان والصحفيين وسط حملة الحكومة المركزية المستمرة علي المجتمع المدني في عهد الرئيس الصيني شي.في الشهر الأول لتطبيق القانون، صدرت أوامر للمدارس بإزالة الكتب المدرسية التي يمكن أن تنتهك القانون، وأنشأت السلطات ”مكتب حماية الأمن القومي“ و“اللجنة السرية للأمن القومي“ مما سمح لضباط الأمن الصينين بالعمل في المدينة لأول مرة، وبالفعل تم اعتقال طلاب بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتم منع المرشحون المؤيدون للديمقراطية من الترشح للانتخابات التشريعية لأسباب تتعلق بالأمن القومي.والآن بعد مرور عام كامل علي تطبيق قانون الأمن القومي زادت إجراءات القمع بشكل غير مسبوق حيث تم اعتقال 117 شخصًا بموجب القانون الصيني واتهام 64 شخصًا. وبعد أن كانت هونج كونج مركزًا دوليًا مفتوحًا تمتاز بصحافة حرة وثقافة احتجاجيه غنية وديمقراطية محدودة أصبحت تشبه بشكل كبير باقي المدن الصينية الأخرى الواقعة تحت قبضة بكين الحديدية والتي تخضع للقوانين والرقابة الصينية. وهكذا فإن مناهج المدارس والجامعات والمكتبات والأفلام وحرية الوصول إلى الإنترنت قد تأثرت جميعها بالسلب. في أغسطس من العام الماضي تم أقتحام مقر صحيفة أبل دايلي المؤيدة للديمقراطية والقبض علي المسئولين فيها وفي يونيو الماضي تم أقتحام مقر الجريدة مرة ثانية واعتقلوا مديري الصحفية وجمدوا أصول الجريدة مما دفع إدارة الجريدة للإعلان عن إغلاقها، لتعلن بعدها ستاند نيوز – وهي منصة أخري مؤيدة للديمقراطية -استقالة معظم مديريها وإنها ستزيل مقالات الرأي من موقعها الالكتروني علي خلفية حجب مواقع إلكترونية لأسباب تعلق بالأمن القومي، وحتي معرض الكتاب السنوي فقد هددت إدارة المعرض المشاركين باستدعاء الشرطة إذا تم العثور على أي معروضات أو مواد تنتهك قانون الأمن القومي.وبالطبع فقد أصبحت الاحتجاجات محظوره بشكل تام، وتم سجن جميع الشخصيات المؤيدة للديمقراطية في المدينة تقريبًا أو علي الأقل تم إجبارهم على الهجرة. حيث هاجر عشرات الآلاف من المواطنين إلى دول ديمقراطية، تلك الدول التي وفرت ملاذًا آمنًا من القانون الصيني بعد أن علقت اتفاقيات تسليم المجرمين مع هونج كونج. لم تتوقف مجهودات الحكومة المركزية الصينية عند تطبيق قانون الأمن القومي للسيطرة علي هونج كونج والقضاء علي الأصوات المطالبة بالديمقراطية بل عملوا علي إعادة تنظيم الإطار الانتخابي للمدينة، وأقروا في مارس الماضي قانونًا يعمل علي تغيير تركيبة برلمان المدينة ليسيطر عليه أغلبية معينة من قبل الحكومة عبر تشكيل لجنة جديدة لفحص المرشحين. وحتى في حال تسرب بعض المرشحين المؤيدين للديمقراطية للبرلمان فالأغلبية ستكون موالية لبكين.كل هذا الاجراءات القمعية وانتهاكات حقوق الانسان وتجميد الأصول زعزعت ثقة المستثمرين في هونج كونج كقاعدة للشركات الدولية في جنوب شرق آسيا، وزاد شعور الخوف وقلصت بعض الشركات من وجودها في هونج كونج بسبب تلك الاضطرابات السياسية.ولكن ليلة الأربعاء ٢٣ يونيو ٢٠٢١، بدأ الناس في الوقوف في طوابير طويلة أمام أكشاك الجرائد حاملين لافتات وزهور لشراء جريدة يوم الخميس الإصدار الأخير من جريدة ”أبل دايلي“، واحتشدوا أمام مبني الجريدة وبدأوا يلوحون بالمصابيح الكهربائية والشرائط الصفراء (لون الحركة المؤيدة للديمقراطية) رافعين الشعار: استمر، وأعمل بجد، وقبل كل شيء، ثابر.
