خلال السنوات القليلة الماضية أصبحت التكنولوجيا المالية المحرك الرئيسي للخدمات المالية علي المستوي العالمي، والتكنولوجيا المالية والتي غالبًا ما يتم الإشارة لها FinTech هي تلك التقنيات والأدوات التكنولوجية التي تعمل علي الإبتكار المالي والتي عن طريقها ظهرت نماذج أعمال وتطبيقات بل ومنتجات مالية جديدة، وللوقوف علي مدي أهمية التكنولوجيا المالية نجد أن مايزيد عن ١٦٠ مليار دولار أمريكي قد تم ضخهم كإستثمارات في قطاع التكنولوجيا المالية خلال الخمس سنوات الأخيرة، والمتوقع أن تكون عوائدها المتوقعة ٢٦٥ مليار دولار أمريكي حتي العام ٢٠٢٥. ولعل أبرز الأمثلة علي تطبيقات التكنولوجيا المالية هي استخدام التليفون المحمول في الخدمات المصرفية أو ما يعرف ب البنوك الرقمية، وكذلك خدمات الاستثمار عبر التليفون المحمول والعملات الرقمية المشفرة cryptocurrency . وهكذا أصبحت التكنولوجيا المالية أحد أهم الصناعات الواعدة والتي تساعد بشكل كبير في زيادة كفاءة الخدمات المالية وتوسيع قاعدة انتشارها وهو ما له تأثير إيجابي علي الاقتصاد القومي، ولكن بالنسبة لمقدمي الخدمات المالية بالطرق التقليدية تمثل الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية تحديًا كبيراً، حيث تعمل التكنولوجيا المالية علي تقديم الخدمات الذكية بشكل أسرع وأكثر كفاءة حيث لا توجد قواعد ولا لوائح متشددة كتلك التي تحكم المؤسسات القديمة، فمع تسارع وتيرة التطور التكنولوجي أصبح من الصعب احتواء الأفكار الابتكارية الجديدة لتلبية احتياجات السوق في أطر تشريعية تقليدية.ولما كان الدور المحوري للتكنولوجيا المالية في القطاع المالي والمصرفي يتمثل في تحسين آليات جذب العملاء، ومعالجة أسرع للمعاملات المعقدة، وتحقيق شمول مالي أفضل، وخفض تكلفة الخدمات، وتقديم التحليلات المالية المتقدمة، ونقل المعرفة وتحقيق الشفافية، وتحقيق الاستقرار المالي، وبالتالي فقد أنعكس ذلك علي أداء الأسواق المالية الكبيرة، فطبقًا لتقرير بلومبرج انتليجانس Bloomberg Intelligence تتصدر الأمارات مصاف الدول الرائدة في التكنولوجيا المالية المتطورة علي مستوي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA حيث تستحوذ الإمارات علي ٦٧ شركة تليها تركيا ب ٤٤ شركة ثم الأردن ولبنان كل منهما ٣٠ شركة. ووفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي تستحوذ الأمارات علي ٣٠٪ من أنشطة التكنولوجيا المالية وتتمتع بكونها وجهة مفضلة للعمليات التكنولوجية بسبب جودة البنية التحتية للاتصالات والبيانات مما يجعلها بيئة خصبة للشركات الناشئة في هذا المجال وهو ما شجع أيضاً الشركات الكبري العالمية لإتخاذ دبي وأبوظبي مراكز أعمال لها، وطبقاً لتقرير FinIndex تحتل الأمارات المركز ٣٤ علي مستوي العالم بينما تأتي مصر في المرتبة ٦٠.بالنظر إلي تجربة دولة الأمارات العربية المتحدة في السنوات القليلة الماضية من ٢٠١٧ حتي الآن في مجال التكنولوجيا المالية، يتضح أن دورها الريادي جاء من خلال إلتزام الأمارات بدعم الشركات الناشئة وتشجيع اعتماد التكنولوجيات، فعلي سبيل المثال تم إعتماد تطبيق استراتيجية البلوكشين في دبي حيث يجري تحويل كل المعاملات الحكومية إلي تقنية البلوكشين بحلول العام الحالي فضلاً عن أكثر من ٥٠٪ من المعاملات الإتحادية علي مستوي الدولة، وهو ما عزز الاقتصاد الذكي وخلق فرص عمل لريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا المالية وخدمات التعهيد. بالإضافة الي دعم الابتكار التكنولوجي للشركات الناشئة الإقليمية والعالمية بمناطق حرة مالية ومسرعات أعمال غنية وبيئة حاضنة جاذبة، مثل مسرعات دبي للمدن الذكية ومسرعات دبي للمستقبل ومسرعات فنتيك هايف Fintech Hive التابعة لمركز دبي المالي العالمي حيث تمثل تلك المسرعات منصة تجمع مختلف أصحاب المصلحة Stakeholders بما في ذلك المؤسسات المالية والهيئات الحكومية وشركات التكنولوجيا ورواد الأعمال لكسر الحواجز وبناء الثقة ونشر ثقافة التكنولوجيا المالية.وبالنظر إلي مصر وطبقًا لتقرير البنك المركزي المصري، نجد أن حجم السوق يمثل ٢٦٪ من عدد سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعدد مستخدمي التليفون المحمول حوالي ٩٣٪ من السكان، وعدد مستخدمي الإنترنت من المحمول يتجاوز ٤٤٪ من السكان، و٦٧٪ من السكان ليس لديهم حسابات بنكية ونسبة الأمية المالية تقترب من ٢٧٪، كل هذا يمثل سوق ضخمة ويخلق طلب عالي علي الخدمات البنكية ويتطلب أيضاً عمل مضاعف للتوعية ومحو الأمية المالية. ومن ناحية التمويل نجد أن هناك ما يزيد عن ١٨ حاضنة ومسرع أعمال يعمل علي التكنولوجيا المالية بحجم تمويل ١.٥ مليار جنية، بالإضافة إلي مبادرة البنك المركزي لدعم التكنولوجيا المالية بمبلغ مليار جنية.أما بالنسبة للغطاء التشريعي فقد تم إصدار قانون البنك المركزي رقم ١٩٤ لسنة ٢٠٢٠، والذي يضم في الباب الرابع منه تنظيم نظم وخدمات الدفع والتكنولوجيا المالية للقطاع المصرفي، وتقدمت الحكومة وهيئة الرقابة المالية مؤخراً لمجلس النواب بمشروع قانون لتنظيم التكنولوجيا المالية للقطاع غير المصرفي، والذي يهدف إلي تعزيز الشمول المالي والعمل علي توسيع قاعدة المستفيدين من الأنشطة المالية غير المصرفية ورفع كفاءتها وخفض التكاليف اللازمة لاستفادة من هذه الخدمات وتعزيز وتنمية استخدامات التكنولوجيا المالية.
