لم تكن روز لويس باركس البالغة من العمر آنذاك اثنين واربعين عاماً قبل الأول من ديسمبر عام 1955 محط الانظار إذ لم يتبلور نشاطها النضالي بحركة الحقوق المدنية أو بسائر الروابط والتنظيمات التي شكلت رفضاً لقوانين ( جيم كرو ) العنصرية تبلوراً رمزياً إلا بعد واقعتها الشهيرة في مونتغمري ، ألاباما عندما رفضت أن تتخلى عن مقعدها بالقسم الملون في الحافلة لراكب أبيض بعد أن نفذت مقاعد القسم الأبيض.
ويمر اليوم الأول من ديسمبر 2020 ، 65 عاماً على تلك الواقعة التي مثلت إلهاماً لحركات مقاومة الفصل العنصري حول العالم ، كما اشعل اعتقال ( باركس ) الشرارة بين كل تيارات المقاومة الملونة التي اعتبرتها رمزاً للنضال اليومي المعتاد الذي يمارسه جموع السود في الطريق إلى منازلهم وفي مدارس أبنائهم وعند شراء حاجة المنزل الأسبوعية .
كانت كلمة لا التي اطلقتها ( باركس ) دليلاً على أن الثورة لا تحتاج لمنصات ضخمة ومكبرات صوت عملاقة إنها فقط تحتاج أن تبدأ بنفسك دون ثمة مواربة أو التفات ، أن تقولها بعفوية ، أن تقول لا.
بدأ السود حركتهم ضد التوسع في تطبيق قوانين اطلق عليها ( جيم كرو ) استهدفت في مجملها الغاء امتيازات ” المعتقون ” إبان فترة إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية الأمريكية ، وقد فطن مالكوم اكس ودو بويز ولوثر كينج أن الحق في التصويت هو أصل الحقوق ، التي يجب أن ترتكز عليها استراتيجات المقاومة مع اختلاف تياراتها.
فالحق في التصويت هو المؤسس لتبلور السود خاصة والملونين عامة كجماعة ضغط اسهمت في اسقاط الجنونبيين في عقود لاحقة وطاردت العنصريين بقوائم سوداء .
كان التطور التنظيمي الذي شهدته حركات مقاومة الفصل العنصري تطوراً طبيعياُ نتج عنه مواجهات عنف بدأت بانتشار وقائع العقاب اللينشي وظهور منظمات وجماعات أخوية متطرفة أولها ( كو كلوكس كلان ) وأخرها ( فرسان كارولاينا ) و( النازيين الجدد ).
وبمراجعة وقائع العنف التي مارستها قوى الاستعلاء العرقي من جهة واليمين المتطرف من جهة أخرى لايمكن الفصل بين المدرستين فصلاً تاماً إذ يصعب تمييز ما هو متصل بالنزعة الوطنية لجماعات اليمين عن ماهو عنصري ، فالمواطن الأصلي في أدبيات تلك الجماعات له مواصفات جسمانية وايدلوجية تبدأ بلون البشرة وتنتهى إلى عقيدته بل أدق تفاصيله الإيمانية.
وتعتبر واقعة ( جورج فلويد ) الأخيرة في مايو الماضي ، امتداداً لتطور المواجهات المحلية التي شجعتها قيادة ترامب المساندة لتفوق المواطن الأمريكي الأبيض صاحب الأرض والحق في العمل وكسب المال وتقلد الوظائف العامة.
ويعد تجزئة الحريات العامة والشخصية أمراً محالاً في تفاصيل قضايا العنصرية في أمريكا فالحرية الدينية التي تعلق بظاهرة ( الإسلاموفوبيا ) ارتبطت مؤخراً بوقائع لممارسات عنصرية في حق سود أمريكيين ، عانوا من اضطهداً عرقياً وعقائدياً وربما في جهة أخرى من العالم يكتمل مثلث الألم بكونهم لاجئين ، روعتهم الحرب وويلاتها فأصبحوا لاجئين سود أو سود مسلمين.
إن إثارة ذكرى ( باركس ) هي إعادة استلهام لروح المقاومة التي يستجلبها عالم لا ترعى فيه الحقوق إلا نزعاً ، مقاومة ضد صدأ الاعتياد ، وتعظيم لتلك الأصوات الخافتة التي حتما ستسمع .
