الجميع يتابع باهتمام ما يحدث بإثيوبيا هذه الأيام والحرب المندلعة بها بسبب إقليم تيجراي والانتهاكات التي ازدادت في الساعات الأخيرة نتيجة القصف الجوي المستمر علي الإقليم والذي يجعل سكان الشمال عرضة للقتل والتهجير, في البداية فإن جبهة تحرير تيجراي هي التي قادت المشهد السياسي بإثيوبيا منذ 1991 وحتي 2018, وهي التي أدت لظهور الجبهة الديمقراطية الثورية, ولم تغادر المشهد إلا بوصول آبي أحمد للسلطة في 2018.
كان آبي أحمد فور ظهوره بالمشهد السياسي يدعو لتشكيل حزبه السياسي المسمى ب “الازدهار” وبالتالي فقد أراد انضمام جبهة تحرير تجراي للحزب لتكون تحت مظلته ومؤيدة لسياساته, كبديل للجبهة السابقة, إلا أن الجبهة رفضت الانضمام لحزبه, ومن هنا احتد الصراع بينهما.
ظهرت بوادر ذلك الصراع في رفض الجبهة إصلاحات آبي أحمد السياسية والاقتصادية وطريقة إدارته للبلاد منذ اللحظة الأولي لتوليه السلطة, كما اتهموه بتهميش إقليم تجراي وبأنه يحملهم نتائج سياساته الرعناء, وأنه ينتهج سياسات انتقامية ضدهم ويعمل علي تصفية قاداتهم ورموزهم للتشفي منهم وذلك لمعارضتهم له. وبالتالي فإن التوترات قائمة بين الحكومة الإثيوبية والإقليم منذ عامين وأكثر.
أخذ الصراع في التطور, وتحولت التوترات إلي مواجهات مباشرة, في سبتمبر الماضي, حينما أعلنت حكومة إثيوبيا تأجيل الانتخابات في البلاد لظروف كورونا, إلا أن إقليم تجراي لم يمتثل لأوامر آبي أحمد وقام بإجراء الانتخابات بالإقليم في 9 من سبتمبر الماضي, وقال بأن الدستور يكفل له الحق بذلك. اختار برلمان إقليم تجراي، دبري صيون، رئيسًا لحكومته، لكن أديس أبابا لم تقتنع بذلك ولم تعترف بها وأعلنت عدم دستوريتها, ليبدأ فصل جديد من الصراع بينهما.
أعلن آبي أحمد عدم شرعية الانتخابات التي أجريت في تجراي, وقال بأنها لا جدوي منها وأنها لا تؤثر علي حكومته, وبدأ البرلمان الإثيوبي بغرفتيه علي الفور بفرض عقوبات ضد حكومة إقليم تجراي وقطع التمويل عنها. في رسالة منه بأنه لن يقبل بما يزعزع ولايته.
لكن كيف بدأ القتال في الأيام الأخيرة ! وما الذريعة التي اتخذها أبي أحمد حجةً له !
الجميع يعلم بأن إقليم أوروميا الذي ينتمي آبي أحمد إليه, بدأ في سلسلة من الانتفاضات منذ عامين ونظم مظاهرات عديدة مناهضة للحكومة نتيجة الاختلاف علي ملكية الأراضي ومطالبتهم بالحرية وحقوق الإنسان, وبذلك يكون آبي أحمد قد فشل حتي في إرضاء قوميته التي يعبر عنها, وفي كل مرة كانت تسفر هذه المظاهرات عن سقوط العشرات من القتلي واعتقال المئات من المعارضين, ثم جاءت حادثة مقتل المغني الشهير هاشالو هونديسا الذي تم اغتياله لانتقاده سياسات آبي أحمد, وذلك بعد أن كان أحد مؤيديه, بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير, حيث زادت من حدة هذه المظاهرات, في عدة مدن لإقليم أوروميا, وهو الأمر الذي اتهمت علي إثره حكومة أوروميا قيادات إقليم تجراي بأنهم يمولون هذه المظاهرات وأن جماعة “أونق شني”، المسلحة المنشقة عن جبهة تحرير أورومو المعارضة, تتلقي تدريبات قتالية بإقليم تجراي. كانت هذه إحدى ذرائع الهجوم علي ذلك الإقليم الشمالي وإمطاره بالصواريخ, لكن يبدو أن آبي أحمد لم يعد يفكر بشيء غير بقائه في السلطة حتي لو كلفه ذلك خسارة إثيوبييا.
لقد أعلن الجيش في قطاع الشمال بالكامل انفصاله عن قياداته التابعة للحكومة الفيدرالية, وانضمامه لصف شعب تجراي, وبالتالي فنحن امام سيناريو خطير, كما أن هناك العديد من المخاوف المتعلقة بهذه الانتهاكات وأثرها المحتمل علي إريتريا التي تتداخل مع إثيوبيا من ناحية العرقيات, ومع السودان التي تتداخل مع إقليم تجراي عبر الحدود. ويبدو أن البلاد معرضة للانزلاق في حرب أهلية تهدد استمراراها كجمهورية فيدرالية قادرة علي ضم كل هذه العرقيات . وفي كل الأحوال لا نتوقع أن يغض المجتمع الدولي الطرف عن هذه الانتهاكات الصارخة في حق المدنيين من شعب تجراي نتيجة القصف الذي يصر عليه آبي أحمد صاحب جائزة نوبل للسلام، والذي يمكن أن يحول منطقة القرن الأفريقي لساحة حرب وبيئة خصبة للإرهاب!