في ظل الثورة الصناعية الرابعة أصبح الإنترنت بمثابة العمود الفقري للإتصالات والوسيلة الأهم والأسرع والأرخص في التواصل ونقل البيانات، وتنتقل البيانات بين القارات والدول عبر شبكة من الكابلات البحرية التي تربط العالم كله بعضه ببعض، ولما كانت مصر ذات موقع فريد يتوسط قارات العالم القديم أفريقيا وآسيا وأوروبا، فقد حظيت بنصيب الأسد في حصة هذه الكابلات التي تمر علي أراضيها، فعبر أرض مصر ومياهها الإقليمية يمر ١٧ كابل بحري يربط الشرق بالغرب ويعتبر واحد من أهم ممرات الانترنت في العالم، وتأتي مصر في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة من حيث عدد الكابلات التي تمر عبر أراضيها. وقد حققت الشركة المصرية للإتصالات في العام ٢٠١٩ إيرادات تزيد عن ٢.٩ مليار جنية من رسوم مرور تلك الكابلات وهو ما يعادل ١١.٦٪ من حجم إيرادات الشركة في العام نفسه.
وعلي المستوي المحلي أنفقت الحكومة ما يقرب من ٤٣ مليار جنية منذ العام ٢٠١٤ في مشروعات إحلال الكابلات النحاسية بكابلات الألياف الضوئية لتطوير خدمات الانترنت وزيادة متوسط سرعة الانترنت من ٥ ميجابت في الثانية عام ٢٠١٨ لتصل إلي ٣٠ ميجابت في الثانية هذا العام، وهو ما ساعد علي استيعاب الضغط الشديد علي الشبكة خلال فترة الحظر حيث تضاعف استخدام البيانات عالمياً أربع مرات وشهدت مصر زيادة مقدارها ٤٠٪ نمواً في استخدام البيانات.
ولكن بالنظر إلي سرعة الإنترنت في مصر فقد جاء ترتيب مصر في المركز ال ٩٢ بالنسبة لسرعة الانترنت الأرضي والمركز ال ١٠٣ بالنسبة لسرعة الموبيل انترنت، ومن حيث تكلفة الوصول إلي الانترنت نجد أن مصر تحتل المركز ال ٤٨ علي مستوي العالم من حيث انخفاض تكلفة الانترنت حيث يبلغ متوسط أسعار باقات الإنترنت حوالي ٧ دولار شهرياً.
ليس هذا كل شئ فبالرغم من كل ما سبق فإن مصر تواجه منافسة قوية من كلاً من المغرب والتي تسعي للاستفادة من موقعها بالنسبة لأوروبا، و اسرائيل والتي استطاعت جذب كابل ”بلو-رامان“ الذي أنشأته شركة جوجل العالمية بتكلفة ٤٠٠ مليون دولار ويربط الهند و عمان و السعودية و الأردن و اسرائيل ويمتد حتي إيطاليا دون العبور علي مصر.
ومن هنا نجد أن مصر في حاجة للتحرك السريع لزيادة الاستثمارات في قطاع الاتصالات بشكل عام والبنية التحتية للاتصالات بشكل خاص لمواجهة المنافسة الإقليمية والتي تهدد مكانة مصر كمركز للكابلات البحرية، وذلك عن طريق فتح المجال وتشجيع القطاع الخاص للعمل في تطوير البنية التحتية ومد كابلات الألياف الضوئية، وأيضاً تشجيع الشركات العاملة في مجال التليفون المحمول للعمل بتكنولوجيا ال 5G، هذا بالإضافة إلي إنشاء مناطق استثمارية حرة تعمل كبوابات في محافظات الإسكندرية ومطروح والبحر الأحمر لجذب مزيد من الاستثمارات وتعظيم القيمة المضافة وسرعة الانتهاء من اللائحة التنفيذية لقانون حماية البيانات الشخصية وإتاحة الفرصة للشركات العالمية لإنشاء مراكز بيانات عملاقة تعمل علي تخفيف الضغط علي الكابلات البحرية الحالية وخلق عشرات الآلاف من الوظائف الجديدة وزيادة سعة الانترنت في مصر وإستيعاب الزيادة المطردة في استخدامات الحوسبة السحابية، وتحويل مصر من ممر للكابلات البحرية لتصبح مركز بيانات رئيسي عملاق يقدم خدمات لأفريقيا والشرق الأوسط.
